Tuesday, February 2, 2016

صلة الرحم

صلة الرحم

 الأحاديث القدسية 
فهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]:
((خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ ...))
الرحم يعني الأقرباء، علاقات القرابة جسدت.
(( فَقَالَ: مَهْ ، 
قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، 
قَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ ، 
قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ " ، 

ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: 
" فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ " 
سورة محمد (آية 22)
[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 أي صلة الرحم من أعظم الأعمال، ذلك أن رحمك من لهم غيرك أما بقية الناس فأنت لهم وغيرك لهم

وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:
((قال الله: أنا اللهُ وأنا الرَّحمَنُ خَلَقتُ الرَّحِمِ وشَقَقتُ لها من اسمِي فمنْ وصَلَها وصلتهُ  ومن قَطَعَها بتتَّهُ))
[الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ]


الرابط للموضوع:
http://hadis-koudsy.blogspot.com/2016/02/blog-post.html

Wednesday, January 27, 2016

أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في مل

حديث قدسي
انا عند ظن عبدي بي.......
رابط الموضوع: 

http://hadis-koudsy.blogspot.com/2016/01/blog-post_85.html


رابط الموضوع:


http://hadis-koudsy.blogspot.com/2016/01/blog-post_85.html

الحديث

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) رواه البخاري ومسلم .
منزلة الحديث
هذا الحديث من أحاديث الرجاء العظيمة التي تحث المسلم على حسن الظن بالله جل وعلا ، والإكثار من ذكره ، وبيان قرب الله من عبده إذا تقرب إليه العبد بأنواع الطاعات .
غريب الحديث
ملأ : المَلأ أشراف الناس ورؤَساؤهم ومقَدَّموهم الذين يُرجَع الى قولهم ، والمقصود بهم في هذا الحديث الجماعة .
حسن الظن بالله
بدأ الحديث بدعوة العبد إلى أن يحسن الظن بربه في جميع الأحوال ، فبَيَّن جل وعلا أنه عند ظن عبده به ، أي أنه يعامله على حسب ظنه به ، ويفعل به ما يتوقعه منه من خير أو شر ، فكلما كان العبد حسن الظن بالله ، حسن الرجاء فيما عنده ، فإن الله لا يخيب أمله ولا يضيع عمله ، فإذا دعا الله عز وجل ظن أن الله سيجيب دعاءه ، وإذا أذنب وتاب واستغفر ظن أن الله سيقبل توبته ويقيل عثرته ويغفر ذنبه ، وإذا عمل صالحاً ظن أن الله سيقبل عمله ويجازيه عليه أحسن الجزاء ، كل ذلك من إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى ، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - ( ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة ) رواه الترمذي ، وهكذا يظل العبد متعلقا بجميل الظن بربه ، وحسن الرجاء فيما عنده ، كما قال الأول : 
            وإني لأدعو الله حتى كأنني     أرى بجميل الظن ما الله صانع
وبذلك يكون حسن الظن بالله من مقتضيات التوحيد لأنه مبنيٌ على العلم برحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وحسن التوكل عليه ، فإذا تم العلم بذلك أثمر حسن الظن .
وقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس أساءت الظن به سبحانه ، وجعل سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم وسوء طويتهم ، فقال عن المنافقين حين تركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في غزوة أحد : { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } (آل عمران: 154) ، وقال عن المنافقين والمشركين : { الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء } (الفتح: 6) .
والمراد من الحديث تغليب جانب الرجاء ، فإن كل عاقل يسمع بهذه الدعوة من الله تبارك وتعالى ، لا يمكن أن يختار لنفسه ظن إيقاع الوعيد ، بل سيختار الظن الحسن وهو ظن الثواب والعفو والمغفرة وإيقاع الوعد وهذا هو الرجاء ، وخصوصاً في حال الضعف والافتقار كحال المحتضر فإنه أولى من غيره بإحسان الظن بالله جل وعلا ولذلك جاء في الحديث ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه .
فينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له ; لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد ، فإن ظن أن الله لا يقبله ، أو أن التوبة لا تنفعه ، فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من كبائر الذنوب , ومن مات على ذلك وُكِل إلى ظنه ، ولذا جاء في بعض طرق الحديث السابق حديث الباب ( فليظن بي ما شاء ) رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح .
بين اليأس والغرور
ومما ينبغي أن يُعْلم في هذا الباب أن حسن الظن بالله يعنى حسن العمل ، ولا يعني أبداً القعود والركون إلى الأماني والاغترار بعفو الله ، ولذا فإن على العبد أن يتجنب محذورين في هذه القضية : المحذور الأول هو اليأس والقنوط من رحمة الله ، والمحذور الثاني هو الأمن من مكر الله ، فلا يركن إلى الرجاء وحده وحسن الظن بالله من غير إحسان العمل ، فإن هذا من السفه ومن أمن مكر الله ، وفي المقابل أيضاً لا يغلِّب جانب الخوف بحيث يصل به إلى إساءة الظن بربه فيقع في اليأس والقنوط من رحمة الله ، وكلا الأمرين مذموم ، بل الواجب عليه أن يحسن الظن مع إحسان العمل ، قال بعض السلف : " رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق " .
جزاء الذاكرين
ثم أتبع ذلك ببيان فضل الذكر وجزاء الذاكرين ، فذكر الله عز وجل أنه مع عبده حين يذكره ، وهذه المعية هي معية خاصة وهي معية الحفظ والتثبيت والتسديد كقوله سبحانه لموسى وهارون :{ إنني معكما أسمع وأرى } (طـه: 46) ، وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان وتدبر الذاكر معانيه ، وأعظمه ذكر الله عند الأمر والنهي وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي .
جزاء القرب من الله
ثم بين سبحانه سعة فضله وعظيم كرمه وقربه من عبده ، وأن العبد كلما قرب من ربه جل وعلا ازداد الله منه قرباً ، وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه قريب من عبده فقال : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } (البقرة: 186) ، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) رواه مسلم ، ففي هذه الجمل الثلاث في هذا الحديث وهي قوله تعالى : ( وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ما يدل على هذا المعنى العظيم ، وهو أن عطاء الله وثوابه أكثر من عمل العبد وكدحه ، ولذلك فإنه يعطي العبد أكثر مما فعله من أجله ، فسبحانه ما أعظم كرمه وأجَلَّ إحسانه .

Tuesday, January 26, 2016

من عادى لي وليافقد اذنته بالحرب

حديث من عادى لي وليا فقد اذنته بحرب
رابط الموضوع:
http://hadis-koudsy.blogspot.com/2016/01/blog-post_26.html

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قال ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ) 
رواه البخاري .


غريب الحديث
عادى : آذى وأبغض وأغضب بالقول أو الفعل .
ولياً : أصل الموالاة القرب وأصل المعاداة البعد ، والمراد بولي الله كما قال الحافظ ابن حجر : " العالم بالله ، المواظب على طاعته ، المخلص في عبادته " .
آذنته بالحرب : آذن بمعنى أعلم وأخبر ، والمعنى أي أعلمته بأني محارب له حيث كان محاربا لي بمعاداته لأوليائي .
النوافل : ما زاد على الفرائض من العبادات .
استعاذني : أي طلب العوذ والالتجاء والاعتصام بي من كل ما يخاف منه .

منزلة الحديث
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث : " هو أشرف حديث روي في صفة الأولياء " ، وقال الشوكاني : " هذا الحديث قد اشتمل على فوائد كثيرة النفع ، جليلة القدر لمن فهمها حق فهمها وتدبرها كما ينبغي " .
من هم أولياء الله ؟
وصف الله أوليائه في كتابه فقال : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون }(يونس: 62-63) ، فوصفهم سبحانه بهذين الوصفين الإيمان والتقوى ، وهما ركنا الولاية الشرعية ، فكل مؤمن تقي فهو لله ولي ، وهذا يعني أن الباب مفتوح أمام من يريد أن يبلغ هذه المنزلة العلية والرتبة السنية ، وذلك بالمواظبة على طاعة الله في كل حال ، وإخلاص العمل له ، ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الدقيق والجليل .
يقول الشوكاني : " المعيار الذي تعرف به صحة الولاية ، هو أن يكون عاملاً بكتاب الله سبحانه وبسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم - مؤثراً لهما على كل شيء ، مقدماً لهما في إصداره وإيراده ، وفي كل شؤونه ،فإذا زاغ عنهما زاغت عنه ولايته " ، وبذلك نعلم أن طريق الولاية الشرعي ليس سوى محبة الله وطاعته واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن كل من ادعي ولاية الله ومحبته بغير هذا الطريق ، فهو كاذب في دعواه .
حرمة معاداة أولياء الله
أولياء الله تجب مولاتهم وتحرم معاداتهم ، وكل من آذى ولياً لله بقول أو فعل ، فإن الله يعلمه بأنه محارب له ، وأنه سبحانه هو الذي يتولى الدفاع عنه ، وليس للعبد قبل ولا طاقة بمحاربة الله عز وجل ، قال سبحانه : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } (المائدة: 55-56) .
درجات الولاية 
وبعد أن ذكر سبحانه وجوب موالاة أولياء الله وتحريم معاداتهم وعقوبة ذلك ، ذكر طرق تحصيل هذه الولاية ، فبيَّنَ أن أولياء الله على درجتين :
الدرجة الأولى : درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين يتقربون إلى ربهم بأداء ما افترض عليهم ، وهو يشمل فعل الواجبات وترك المحرمات ، لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها على عباده ، فذكر سبحانه أن التقرب إليه بأداء الفرائض هو من أفضل الأعمال والقربات كما قال عمر رضي الله عنه : " أفضل الأعمال أداء ما افترض الله ، والورع عما حرم الله ، وصدق النية فيما عند الله تعالى " وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته : " أفضل العبادات أداء الفرائض واجتناب المحارم " .
وأما الدرجة الثانية :  فهي درجة السابقين المقربين ، وهم الذين تقربوا إلى الله بعد الفرائض ، فاجتهدوا في نوافل العبادات من صلاة وصيام وحج وعمرة وقراءة قرآن وغير ذلك ، واجتنبوا دقائق المكروهات ، فاستوجبوا محبة الله لهم ، وظهرت آثار هذه المحبة على أقوالهم وأفعالهم وجوارحهم .
آثار محبة الله لأوليائه
إذا استوجب العبد محبة الله ظهرت آثار المحبة عليه ، وهذه الآثار بينها سبحانه في قوله : ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ) ، والمقصود أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل ، قَرَّبه الله إليه ورَقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان ، فيصير يعبد الله كأنه يراه ، فلا تنبعث جوارحه إلا بما يحبه مولاه ، فإن نطق لم ينطق إلا بما يرضي الله ، وإن سمع لم يسمع ما يسخط الله ، وإن نظر لم ينظر إلى ما حرم الله ، وإن بطش لم يبطش إلا لله ، وهكذا ، ولهذا جاء في بعض روايات الحديث في غير الصحيح : ( فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي يمشي ) .
إجابة دعاء الولي 
وإذا بلغ العبد هذه المنزلة - منزلة الولاية - فإن الله يكرمه بأن يجعله مجاب الدعوة ، فلا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، ولا يستعيذ به من شيء إلا أعاذه منه ، وذلك لكرامته على الله تعالى ، وقد عرف كثير من الصحابة بإجابة الدعاء ، كالبراء بن مالك ، والبراء بن عازب ، وسعد بن أبي وقاص وغيرهم ، وقد يدعو الولي فلا يستجاب له ، لما يعلم الله من أن الخيرة له في غير ما سأله ، فيعوضه بما هو خير له في دينه ودنياه ، فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث ، إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا : إذاً نُكْثِر ، قال : الله أكثر

Thursday, January 21, 2016

إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ




المحبوبية في الإسلام، 
إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ


أحاديث قدسية 
الدرس (09-31): 
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي 
الرابط للموضوع:
http://hadis-koudsy.blogspot.com/2016/01/blog-post_21.html


           بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أية دعوة إلى الله تتجاهل الحب هي دعوة عرجاء :

 أيها الأخوة الكرام، الدعوة إلى الله تنجح نجاحاً باهراً حينما تراعي في الإنسان جانبه العقلي والنفسي والمادي، فكما أن الإنسان عقل يدرك هو قلب يحب، والعقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، فأية دعوة إلى الله تتجاهل الحب هي دعوة عرجاء، 
ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
[ سورة المائدة: 54]
 استنبط العلماء أن الذي يحب الله والذي يحبه الله لا يمكن أن يرتد، فحينما يكون الدين عقلياً فكرياً نصياً ضمن حب هناك نكسات كثيرة، أما حينما يكون الدين علماً متيناً وأدلة قوية وحباً والتزاماً -هذه خطوط ثلاثة معرفة وحب وسلوك - فهناك التفوق، وآيات كثيرة تتحدث عن الحب، الحديث القدسي اليوم:

((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ))
[البخاري عن أبي هريرة]

القرآن الكريم والسنة النبوية توجها إلى العقل والقلب معاً :

 ما من نعمة في الدنيا إلا ولها آثارها في الآخرة، كأن يحبك الناس، لأن الله إذا أحبك ألقى محبتك في قلوب الخلق، وأكاد أقول: الأنبياء بكمالهم ملكوا القلوب، والأقوياء بقوتهم ملكوا الرقاب، والبشر جميعاً أتباع نبي أو قوي، فالذين هم أتباع النبي سلاحهم الكمال الإنساني، بكمالهم يملكون القلوب، والذين هم أتباع القوي سلاحهم ما منحوا من قوة، فبقوتهم يملكون الرقاب، وشتان بين من يملك القلوب وبين من يملك الرقاب.
 على كلٍّ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة توجهت تارة إلى العقل لتقنعه، وتارة إلى القلب لتغذيه، وفي بعض الآيات الكريمة تتوجه الآية إلى القلب والعقل معاً:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ
[ سورة الانفطار: 6-7]

الحبّ هو علة الخلق :

 أيها الأخوة الكرام: جانب الحب هو علة الخلق، لو أن الله أراد أن يخضع له البشر جميعاً لكان ذلك، ولكن هذا الخضوع قسري لا يثمر سعادة.

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا
[ سورة يونس: 99]

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً
[ سورة هود: 118]
 الله جلّ جلاله ما أرادنا أن نأتيه قسراً، أراد أن نأتيه طوعاً، إذا أتيناه قسراً لا قيمة لهذا الإتيان، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
[ سورة البقرة: 256]

 فجانب الحب جانب أساسي، الفرق بين الحب وبين الواجب كالفرق بين أرحنا بها وأرحنا منها، هذا هو الفرق بين الحب والواجب، فأنت حينما تحب الله تفعل المستحيل، أصحاب النبي أحبوا الله، قلة قليلة بحياة خشنة، بمعدات بسيطة، وبيوت من اللبن وصغيرة وخشنة، فتحوا أطراف الدنيا، وحينما فرغ الدين من الحب أصبح ثقافة وتقاليد وعادات وأصبح سلوكاً أجوفاً وعبادات لا تقدم ولا تؤخر، بين مؤمن مفعم قلبه بالحب، وبين مؤمن ممتلئ قلبه بالمعلومات فرق كبير جداً، لابد من أن يمتلئ العقل بالمعلومات، ولا بد من أن يمتلئ القلب بالحب، فهذه المرأة الأنصارية التي رأت زوجها في أرض المعركة شهيداً ورأت أباها في أرض المعركة شهيداً، ثم رأت ابنها ثم أخاها وفي كل مرة تقول: ما فعل رسول الله؟ فلما رأته واطمأن قلبها قالت: يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلل.
الحبّ يصنع المعجزات و التقليد لا يصنع شيئاً .

 أخواننا الكرام: الحب يصنع المعجزات، ومن دون حب لا يمكن أن تقدم شيئاً لله، مستمع جيد، ومعلق جيد، لكن لا تقدم شيئاً، كل إنسان حينما يستمع إلى كلام منطقي مؤيد بالأدلة والبراهين يعجب بهذا الكلام، لكن العبرة ماذا قدمت لله عز وجل؟ لو سألك الله يوم القيامة ماذا فعلت من أجلي يا عبدي؟ هذا سؤال، الحب يصنع المعجزات، بينما التقليد لا يصنع شيئاً.
((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ))
[البخاري عن أبي هريرة]

انظر إلى الطفل قال تعالى:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
[ سورة طه: 39]
 أي ألقى في قلب أبويه الحب له، تجد الأبوين لا يهنأ لهما عيش إلا إذا كان ابنهما على ما يرام، فهذه الرحمة التي يتراحم بها الناس، والتي يعقبها ميل قلبي هو الحب، وأقول لكم هذه الكلمة: الإنسان الذي لا يجد رغبة في نفسه أن يكون محبوباً عند الله وعند خلقه، ثم لا يجد رغبة أن يحب الله جلّ جلاله، فإنه ليس من بني البشر! البطولات التي ظهرت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أساسها الحب، قيل لأحد أصحاب رسول الله قبل أن يصلب -ألقي القبض عليه وسيق إلى مكة - قبل أن يصلب قال له أبو سفيان: أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت معافى في بيتك؟ استمعوا إلى الجواب قال: والله لا أحب أن أكون في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كأصحاب محمد يحبون محمداً
أكبر نجاح في الحياة أن يحبك الله :

 أخوتنا الكرام، نحن في أمس الحاجة إلى الحب، أن نحب بعضنا، ونقدم لبعضنا كل شيء، ونؤثر بعضنا على كل شيء، هناك رواية ثانية:
((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ))
[البخاري عن أبي هريرة]

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ))
[مسلم عن أبي هريرة]

 أنت حينما تمشي في رضوان الله يحبك الله، ويحبك جبريل، ويحبك أهل السماء، وتلقى القبول في الأرض، وحينما يمشي الإنسان في سخط الله يبغضه الله، ويبغضه جبريل، ويبغضه أهل السماء وأهل الأرض، أكبر نجاح في الحياة أن يحبك الله.
 مرة سمعت كلمة من أخ كريم يروي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ قال
((عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ فَقُلْتُ وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.....))
[النسائي عن معاذ بن جبل]

 والله ما رأيت في الأرض مرتبة تعلو هذه المرتبة أن يحبك رسول الله، كيف يحبك إذا كنت مستقيماً، الأقوياء يقربون من يعلن لهم الولاء، لكن الأنبياء بوحي من الله عز وجل لا يقربون إلا من كان راضياً لله عز وجل، لذلك قيل: "يا رسول الله مثل بهم؟ قال: والله لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً" .
من لم يخفق قلبه بحب الله و رسوله ففي إيمانه خلل :

 هناك حديث آخر:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ  فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي أَبْغَضْتُ فُلَانًا فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ ))
[الترمذي عن أبي هريرة]

إن كنت على علاقة طيبة مع الله فمن لوازم هذه العلاقة أن الناس يحبونك، وقد ورد أنه: من أخلص لله تعالى جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة والرحمة.
 فلذلك إن لم يخفق قلبك بحب الله ورسوله، وحب المسجد، والقرآن، وأخوتك المؤمنين، ففي الإيمان خلل.
 قديماً الذي يقف أمام مقام النبي عليه الصلاة والسلام ولا يبكي يقال له: مالك لكنك تجد أحياناً من يبكي أمام مقام النبي الآن يسأل: أبك حاجة الأصل أن تبكي أمام قبر النبي وأن تحبه.
 أخوتنا الكرام: أرأيتم إلى وردة مصنوعة من الشمع، ثم وردة طبيعية فواحة الرائحة بين وردة طبيعية فواحة الرائحة وبين وردة اصطناعية مملة كما بين مسلم يحب الله ومسلم لا يحب الله أو قلبه خاو من المحبة، الإسلام من دون حب جسد من دون روح -جثة - فلذلك تجد قلوب المسلمين قاسية من بعدهم عن الله، وانغماسهم في المخالفات، فهو مسلم بحسب هويته، وقيد نفوسه، وبيئته، ومن أبويه المسلمين، ولكن المسلم الذي يغلي قلبه كالمرجل هذا نفتقده، فالحياة أساسها الحب.
 النبي عليه الصلاة والسلام كان أحب الخلق إلى الله، وأقسم الله بعمره الثمين، وحينما تشعر أن الله يحبك فأنت في الأوج، ملك في الدنيا، فإذا أحبك الله أحبك الخلق، وإذا أبغض الله عبداً أبغضه الخلق.

والحمد لله رب العالمين


Tuesday, January 19, 2016

التوبة- الله اشد فرحا بتوبة عبده


حديث لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ


عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 
(( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ )) 
[مسلم]

رابط الموضوع:
http://hadis-koudsy.blogspot.com/2016/01/blog-post_19.html


عن محاضرة د. النابلسي
 أيها الأخوة الكرام ؛ الحديث اليوم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم :
((لَلّهُ أشدُّ فْرَحا بتوبةِ عبده - حين يَتُوبُ إليه - من أحدِكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ -غابت عنه- وعليها طعامُه وشرابهُ فَأَيسَ منها ، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها قد أيسَ من راحلته - أيقن بالهلاك - فبينا هو كذلك ، إذا هو بها قائمةٌ عنده ، فأخذ بخِطامِها ثم قال من شِدَّة الفرح : اللهم أنت عَبْدي وأنا ربكَ - أخطأ من شدة الفرح - ))
[متفق عليه عن أنس بن مالك]
 أي هذا الفرح جعله يخطئ .
((لَلّهُ أشدُّ فْرَحا بتوبةِ عبده))
 كما ورد في بعض الأحاديث :
((من الضال الواجد - ضيع شيئاً ثميناً - والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))
(( لله أفرح بتوبة عبده من الضّال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))
[السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]
 أي الظمآن الذي كان على وشك الموت فرأى الماء ، والعقيم الذي يئس من الذرية ثم أنجبت زوجته له ولداً ، والضال الواجد . 
 أخواننا الكرام ؛ أما القرآن فيقول :
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
[سورة النساء الآية :27]
 أعرف شخصاً مدمن خمر ، ذهب إلى الحج وتاب إلى الله توبةً نصوحة ، وعاد إلى بلده لكنه بقي على أصحابه القدماء ، في جلسة أداروا فيها الخمر ، وأجبروه أن يشرب ، قال له أحدهم : كم كلفت حجتك اشرب وخذ ثمن حجة ثانية .
﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
 أخواننا الكرام ؛ الفرق كبير جداً بين أن تصاحب مؤمناً ، وبين أن تصاحب غير المؤمن، المؤمن يدفعك إلى باب الله ، يحثك على طاعته ، أحياناً يعاتبك ، كما ورد :
((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))
[ أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]
من كان مع الله كان الله معه :
 إذاً الآية الدقيقة :
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾
 هذه إرادة الله :
﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
 إلا أن أحد المذنبين يتوهم أن ذنبه لا يغفر. 
 مرة إنسان يطوف حول الكعبة ، كان أمامه رجل سمعه يقول : ربي اغفر لي ذنبي ولا أظنك تفعل ، فالذي وراءه قال : يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله ؟ قال له : ذنبي عظيم ، قال له : ما ذنبك ، قال له : كنت جندياً في قمع فتنة ، ولما قمعت أبيحت لنا المدينة ، دخلت أحد البيوت رأيت رجلاً وامرأةً وطفلين ، قتلت الرجل و الولد الأول ، وقلت لامرأته أعطيني كل ما تملكين، أعطته كل ما تملك ، فلما رأته جاداً في قتل الولد الثاني ، أعطته درعاً مذهبة - مطلية بالذهب - وهي أثمن شيء تملكه ، أمسكها قلبها أعجبته فإذا على هذا الدرع بيتان من الشعر قرأهما فوقع مغشياً عليه ، ما البيتان ؟ قال :
إذا جار الأمير وحاجبه  وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل  لقاضي الأرض من قاضي السماء
***

 أخواننا الكرام ؛ هناك عدد من الأمراض العضال ، إن أصابت أحد الناس أصبحت حياته جحيماً لا يطاق ، نحن في قبضة الله ، نقطة دم أقل من رأس الدبوس إذا تجمدت في أحد أوعية الدماغ أصيب الإنسان بالشلل ، أصبح عبئاً على أسرته ، أو بفقد الذاكرة ، هذه النقطة في أي مكان من أوعية الدماغ إذا تجمدت أصابت الإنسان بعطب ، شلل ، أحياناً يفقد نطقه ، أحياناً يفقد ذاكرته، فلذلك نحن في قبضة الله ، أي أقل سبب ينهي حياتنا ، إذا الخلايا نمت نمواً عشوائياً ، هذا السرطان ، انتهت حياته ، وهذا النمو العشوائي يكون في أي سن ، وفي أي عمر ، وفي أي نسيج، يوجد بالعظام ورم خبيث ، بأي مكان هناك ورم خبيث ، فنحن في قبضة الله ، والبطولة أن نكون مع الله حتى يكون الله معنا .
كن مع الله تر الله مـعك  واترك الكل وحاذر طمعـــــك
وإذا أعطـاك من يمنعهم  ثم من يعطي إذا ما منعك؟
***

 لذلك :
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
بطولة الإنسان أن يصاحب من ينهض به إلى الله حاله و يدله على الله مقاله :
 لكن الحل الحاسم :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
[ سورة الكهف الآية : 28]
 أي ليس دائماً تستطيع أن تبتعد عن هؤلاء ، فإذا كنت معهم في بعض الساعات يغرونك في المعصية ، وهذا يقع كثيراً ، لذلك قالوا : الصاحب ساحب ، فالبطولة أن تصاحب مؤمناً ، لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ويدلك على الله مقاله . 
 ثبت علمياً أن الشاب بحياته والده ، والدته ، خاله ، عمه ، يصلي الجمعة بمسجد ، شيخ المسجد ، خطيب المسجد ، يسمع درساً من أستاذ التربية الإسلامية ، كل المصادر الدينية بين أبيه وأمه ، وخطيب المسجد ، وأستاذه ، إلى آخره ، العلماء قالوا : تأثيرهم أربعون بالمئة ، وتأثير الصاحب السيئ ستون بالمئة ، أنا أقول : أخطر شيء في حياة الابن صديقه ، وأول مهمة من مهمات الأب أن يعرف من هو صديق ابنه ، وأن يعرف من هي صديقة ابنته ، تأثير الصديق على الشاب ستون بالمئة ، وكل من حوله بدءاً من الأب ، والأم ، والعم ، والخال ، والشيخ ، والخطيب، والداعية، وأستاذ الديانة ، تأثيرهم أربعون بالمئة . 
 لذلك لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة فيها ، وارتقيت إلى أعلى مكانة ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، والحقيقة لما ربنا عز وجل علمنا هذا الدعاء :
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
[سورة الفرقان الآية :74]
 لا يعرف معنى قرة العين إلا من ذاقها ، عندك ابن صالح تفتخر به أمام الناس ، مستقيم، محبوب، منضبط بلسانه ، بدخله ، بإنفاقه ، فالذي يعتني بابنه يعتني بنفسه ، الله عز وجل قال :
﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾
[ سورة البلد الآية: 1_2_3]
 قضية التربية أساسية جداً ، أنا أقول: الشعور شعور الأب والأم أن الابن صالح ، الابن متفوق ، الابن محبوب ، الابن مستقيم ، الابن نظيف ، دخله حلال ، إنفاقه حلال لا يقدر بثمن ، وأحياناً إذا كان الابن منحرفاً يسبب لأبيه وأمه متاعب لا يعلمها إلا الله .
باب التوبة مفتوح دائماً على مصراعيه :
 الآن أي ذنب مهما رأيته عظيماً نوعاً ومليون ذنب عدداً ، هذه الذنوب نوعاً وكماً ، لمجرد أن تتوب إلى الله يغفر الله لك هذه الذنوب ، والآية واضحة :
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
[ سورة الزمر الآية : 53]
 هذه الآية يقول عنها العلماء: أرجى آيةً في القرآن ، المذنب ليس له حجة ، المذنب سوف يندم ، باب التوبة مفتوح .
 الآن بربكم لو أن تاجراً عليه ديون بضع عشرات أو مئات الملايين ، فلس ، الديون كلها مستحقة ، إذا قيل له: افعل كذا أو كذا ، وأنت معفى من كل هذه الديون ، شيء لا يصدق .
((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))
[ الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة]
 ما قولكم ؟
(( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))
[ مسلم وابن خزيمة في صحيحه عن أبي سلمة]
 أي أنت برمضان متاح لك أن تفتح مع الله صفحةً جديدة ، أحياناً التجار يغلقون الصفحات القديمة ويفتحون صفحة جديدة ، وأنت برمضان تفتح مع الله صفحة جديدة ، لكن البطولة هذا الذي حصّلته برمضان ينبغي أن تبقى عليه ، من صلاة الفجر ، من غض البصر ، ضبط اللسان ، من ضبط الدخل ، من ضبط الإنفاق ، هذه الاستقامة ، لذلك إذا رجع العبد العاصي إلى الله ، دقق :
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
 والله الذي لا إله إلا هو لا أرى كلمة هنيئاً لك إلا لصلح مع الله ، هنيئاً لك بهذا البيت شيء لطيف ، لكنه سوف يتركه، إنسان يحب زوجته حباً لا نهائياً ، لابد أن يفارقها أو تفارقه ، هل هناك شك بهذا الكلام ؟ أي جهة دون الله لابد أن تغيب عنك أو تغيب أنت عنها ، فالبطولة أن تعرف الله وأن تتصل به .
التوبة علم و حال و عمل :
 أخواننا الكرام :
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
 الموضوع عن التوبة ، التوبة ُعلم ، وحال ، وعمل . 
 الإنسان متى يعالج ارتفاع الضغط ؟ عندما يكون عنده مقياس ضغط ، ويقيس ضغطه فيجده مرتفعاً جداً، بسرعة يذهب إلى الطبيب ، فلابد من مقياس ، الإنسان إذا طلب العلم أصبح معه مقياس، إذا الإنسان لم يتعلم يقع بالكبائر يقول : أنا لم أعمل شيئاً ، هذا الذنب كيف تتوب منه؟ ينبغي أن تعلم أنه ذنب ، لذلك قالوا : من دخل السوق بلا ثقة أكل الربا شاء أم أبى .
 هناك الكثير من العلاقات المالية المحرمة ، يقول لك : أنا أريد أن أقرضك قرضاً ، أنا لا أريد فائدة ، لكن أريد مبلغاً شهرياً كأجرة ، هذا قرض مأجور أي فائدة ، أعطاه اسماً ثانياً ، العبرة ليست بالأسماء بل بالحقائق ، فلذلك التوبة علم ، الحال لا يوصف ، فرح التائب بالتوبة لا يعرفه إلا من ذاقه ، والله الذي لا إله إلا هو كأن على ظهره جبالاً أزيحت عنه ، علم ، وحال ، العمل ثالث نوع ، ندم على ما فرط به، إذا كان هناك حقوق، في أداء الحقوق الندم لا يكفي ، يجب أن يكون هناك إقلاع في الحاضر ، وعزم في المستقبل ألا يعود إلى هذا الذنب ، علم ، وحال ، وعمل . 
 أخواننا الكرام ؛ إذاً لابد من طلب العلم ، حتى تعلم أين الأخطاء ، أعط إنساناً نصاً ليقرأه قد يرتكب خمسين خطأ بالقراءة ، لأنه لم يدرس اللغة العربية ، يقول لك : لم أخطئ ، أما لو درس فيعرف خطأه، إذاً لابد من طلب العلم كي تعرف الخطأ ، تجد إنساناً منهمكاً في عمله ، هذه الآخرة الأبدية ألا تستحق طلب العلم!! تعرف أن هناك مالاً حراماً ، قرضاً حراماً ، هناك علاقات اجتماعية محرمة ، وعلاقات مالية محرمة ، فإذا الإنسان لم يطلب العلم ، يقول لك : لم نفعل شيئاً هكذا الناس تفعل ، فلابد من طلب العلم .
إرفاق التوبة الثانية بالعمل الصالح :
 بالمناسبة أخواننا الكرام ؛ أهون توبة الأولى ، الثانية أصعب بكثير ، أول توبة بالتعبير الدارج الصلحة بلمحة ، يا ربي قد تبت ، أي كأن الله يقول لك : يا عبدي وأنا قد قبلت ، أهون توبة أول توبة ، أما عندما يعود الذنب مرة ثانية ، أي نقضت التوبة ، لا أقول لك : لا يوجد حل ، بل هناك حل أن تتوب مرة ثانية ، أما الأصح فأن ترفق مع التوبة الثانية عملاً صالحاً ، وهذا معنى :
((وأتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحسَنَةَ تَمْحُهَا ))
[الترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
 أول توبة سهلة ، أما الثانية فتشعر أنك خجول من الله ، فالعمل الصالح الذي يقترن مع التوبة الثانية ضروري لعل الله يقبلها ، وأرجو من الله أن يتوب علينا جميعاً في هذا الشهر الكريم . 
والحمد لله رب العالمين

الملائكة الطوافون يلتمسوااهل الذكر ومجالس الذكر



الحديث القدسي الأول الذي ورد في صحيح البخاري، 
فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم:

((إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم ـ أي وجدوا بغيتهم ـ قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلبا ً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]


رابط الموضوع:

http://hadis-koudsy.blogspot.com/2016/01/blog-post_92.html


الحديث القدسي الأول الذي ورد في صحيح البخاري، فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم:
((إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم ـ أي وجدوا بغيتهم ـ قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلبا ً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
أيها الأخوة، ما صفة المؤمنين الأولى؟ أنهم يؤمنون بالغيب، لم يروا الله عز وجل ولكن الكون دلهم عليه، آمنوا بالله غيباً، لم يروا الجنة، ولكن الله أخبرهم عنها، فآمنوا بها، لم يروا النار، ولكن الله أخبرهم عنها، فآمنوا بها، كلما هبط المخلوق تعامل بحواسه، وكلما ارتقى تعامل بعقله، العقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه، الكافر يعيش لحظته، يعيش بيئته، يعيش واقعه.
الكافر يعيش لحظته والمؤمن يبحث عما بعد الموت :
لذلك الله جلّ جلاله خلق في الإنسان نقاط ضعف لصالحه، خلقه عجولاً، فالإنسان بحسب طبعه يحب الشيء العاجل، يحب الذي أمامه، يحب المتعة التي أمامه، يحب المال الذي يأخذه بحق أو بغير حق، يحب اقتناص اللذة الفورية، بينما المؤمن يرجئ حاجته إلى ما بعد الموت، آمن بالغيب، كل شيء في الدنيا يدعوك إليها، ومع ذلك تجد المؤمن معرضاً عنها، وكل شيء في الآخرة يحتاج إلى جهد، إلى كلفة، لماذا سمي التكليف تكليفاً؟ لأنه ذو كلفة، فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾
[ سورة البقرة: 3]
تصوروا أن راكب دراجة يمشي على طريق مستوية، ثم واجه طريقين، الأول طريق صاعد، والثاني طريق هابط، وراكب الدراجة يمتعه ويريحه أن يسلك الطريق الهابط، بل إن الطريق الهابط معبد وتحفه الأشجار والأزهار، والطريق الصاعد فضلاً عن أنه صاعد ومتعب لكن فيه حفر، وفيه أكمات، وفيه تراب، طبع راكب الدراجة يقتضي أن يسلك الطريق الهابطة، الطبع، كل شيء في البيئة يدعوه أن يسلك الطريق الهابط، وكل شيء في البيئة يدعوه إلى الانصراف عن الطريق الصاعد، كتبت لوحة عند مفترق الطريقين: هذا الطريق الهابط ينتهي بحفرة ما لها من قرار، فيها وحوش كاسرة، تلتهم من يقع فيها، وهذه الطريق الصاعدة تنتهي بقصر منيف هو لمن دخله، هذه اللوحة ما فيها يدعوك إلى أن تتخذ قراراً معاكساً يدعوك إلى أن تسلك الطريق الصاعدة وأن تدع الطريق الهابطة، هذه القضية كلها، فالكافر يعيش لحظته، يعيش وقته، يعيش الشهوات التي أودعت فيه، يعيش المكاسب التي بين يديه، والمؤمن يبحث عما بعد الموت، من هنا: إن أكيسكم أشدكم للموت ذكراً، وأحزمكم أشدكم استعداداً له، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكن القبور، والتأهب ليوم النشور. 
المؤمن آمن بالآخرة فاتقى أن يعصي الله في الدنيا وقيد هواه بحدود الشرع :
أيها الأخوة:
((الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ))
[أخرجه الحاكم عن شداد بن أوس]
مثل ذكرته كثيراً لكنه يناسب هذا الموضوع، المركبات التي تنطلق إلى بعض أحياء دمشق، كانت تنطلق من مركز المدينة، وكان اتجاهها نحو الشرق، ففي أيام الحر الشديدة يصعد الراكب، فيرى المقاعد اليمنى فيها شمس لاذعة، والمقاعد اليسرى فيها ظل ظليل، هذه المركبة تتجه نحو الشرق، والحي الذي تبتغي أن تصل إليه في اتجاه الغرب، لا بد من أن تدور حول مركز المدينة، فالراكب الذي يفكر يجلس في الشمس لأنه سيبقى دقيقة واحدة وبعدها تنعكس الآية، وينعم بالظل الظليل إلى نهاية الرحلة، أما الراكب الذي لا يفكر، الذي يعيش وقته، حاضره، فيجلس في الظل، ويتهم الذي يجلس في الشمس بأنه أحمق، لكن بعد دقيقة تنعكس الآية، هذه القصة كلها، هذه قصة الدنيا والآخرة، المؤمن آمن بالآخرة فاتقى أن يعصي الله في الدنيا، وقيد هواه بحدود الشرع، بقية الله خير لكم، بينما الكافر أطلق لشهواته العنان، عاش وقته ولحظته، وعاش كما يقال شبابه، واستمتع بشبابه، واقتنص من اللذات ما هو مباح أو ما هو محرم.
إيمان المؤمن بالغيب :
ثم:
﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾
[ سورة ق : 19 ]
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
[ سورة ق : 22 ]
إذاً هذا الحديث القدسي تلخصه كلمة واحدة في كتاب الله:
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾
[ سورة البقرة: 1-3]
آمنوا بالله ولم يروه، ولكن الكون دلهم عليه، والقرآن دلهم عليه، والأنبياء دلوا على الله عز وجل، وآمنوا بالجنة ولم يروها، واستعاذوا من النار ولم يروها، المؤمن يؤمن بالغيب، لهذا الحديث رواية أخرى وردت في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام:
((أن لله ملائكة سيارة فضلا يبتغون مجالس الذكر))
[ أحمد عن أبي هريرة]
هذا مجلس ذكر إن شاء الله:
((ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله تعالى إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده))
[مُسلِمٌ عن أبي هريرة]
هؤلاء الملائكة يبتغون مجالس الذكر:
((فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِساً فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ. وَحَفّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِأَجْنِحَتِهِمْ. حَتّىَ يَمْلأُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السّمَاءِ الدّنْيَا. فَإِذَا تَفَرّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَىَ السّمَاءِ. قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ، يُسَبّحُونَكَ وَيُكَبّرُونَكَ وَيُهَلّلُونَكَ وَيُمَجّدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ. قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنّتَكَ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنّتِي؟ قَالُوا: لاَ. أَيْ رَبّ قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنّتِي؟. قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قَالَ: وَمِمّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ. يَا رَبّ قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟. قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمّا اسْتَجَارُوا. قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبّ فِيهِمْ فُلاَنٌ. عَبْدٌ خَطّاءٌ. إِنّمَا مَرّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ. هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَىَ بِهِمْ جَلِيسُهُمْ))
[ مسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ]
ثمن الجنة الإيمان بالغيب :
الحديث الأول من رواية البخاري، والثاني من رواية مسلم، مفاده أن ثمن الجنة الإيمان بالغيب، أما لو أتيح للإنسان أن يرى الجنة وهو في الدنيا، ويرى النار، فلا يرقى في الجنة، لو خيرت بين مغنم كبير وعذاب أليم أمامك، المغنم أمامك والعذاب أمامك، اختيار المغنم ليس لك أجر فيه، اخترته بحواسك، والبهائم كذلك تختار ما فيه صلاحها بحواسها، لماذا ترقى أنت عند الله؟ لأنك لم ترَ لا الجنة ولا النار ولكن الله أخبرك بهما، صدقته فآمنت بالغيب، الجنة ثمن الإيمان بالغيب:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
[ سورة البقرة: 1-3]
لذلك من يضحك أولاً يضحك قليلاً ويبكي كثيراً، ومن يضحك آخراً يضحك كثيراً ولا يبكي أبداً، والبطولة أن تضحك آخراً:
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾
[ سورة المؤمنون: 109-111]
وفي آية أخرى:
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾
[ سورة المطففين: 34]
العبرة للعاقبة :
أيها الأخوة العبرة للعاقبة:
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
[ سورة الأعراف: 128]
العبرة لما بعد الموت، من هنا قال الإمام علي كرم الله وجهه: "الغنى والفقر بعد العرض على الله"، لا يعد الغني غنياً في الدنيا ولا الفقير فقيراً، الفقر فقر الأعمال الصالحة والغنى غنى الأعمال الصالحة.
والحمد لله رب العالمين

ياعبادي اني حرمت الظلم


حديث قدسي

يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي

إن هي إلا أعمالنا يحصيها الله علينا، ورد في الحديث القدسي الصحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
(( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ  مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[مسلم]
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
وقفة قصيرة حول معنى الحديث القدسي :
أيها الأخوة الكرام، قبل أن نبدأ في شرح بعض الأحاديث القدسية، لا بد من وقفة قصيرة حول معنى الحديث القدسي.

أيها الأخوة، القدس، القدس بضم الحرفين أو تسكين الثاني، معناه الطهر، والأرض المقدسة الأرض المطهرة، وتقدست أسماء الله تنزهت عن كل نقص وعيب، وقد أضيف الحديث إلى الله عز وجل فقيل الحديث القدسي، بمعنى أن هذا الحديث مضاف إلى الله وحده، ذلك أن الله قد يلقي في روع النبي المعنى، وقد يريه في منامه هذا المعنى، وقد يأتيه عن طريق جبريل، وقد كلف النبي عليه الصلاة والسلام أن يصوغه هو، فالفرق بين القرآن الكريم وبين الحديث القدسي أن القرآن الكريم لا يكون إلا عن طريق جبريل، والنص من الله عز وجل، بينما الحديث القدسي يكون عن طريق المنام، ورؤيا الأنبياء حق، ويكون عن طريق الإلقاء في الروع:

(( إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها...))
[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان عن جابر]
إما عن طريق المنام، وإما عن طريق الإلقاء في الروع، وإما عن طريق جبريل، وإما عن أي طريق آخر، المعنى من الله عز وجل والصياغة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة :
من الأحاديث الشهيرة المتواترة في الصحاح:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي...))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
فهذا الكم الكبير من المسلمين الذين يخوضون في القضاء والقدر يريدون أن يعرفوا كنه الذات الإلهية وهذا مستحيل، لأن:
(( تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا ))
[ورد في الأثر]
أنّى لهذا الإنسان الضعيف المحدود أن يحيط بالله عز وجل! ألا يكفينا أنه يوجد آيات كثيرة تقترب من المئة، وأحاديث صحيحة كثيرة، تؤكد أن الله لا يظلم، أليس هذا هو الطريق الأقصر؟ ألم يعلم المؤمن أنه لا يمكن أن يصل على عدل الله بعقله إلا بحالة واحدة أن يكون له علم كعلم الله، وهذا مستحيل يقول الله عز وجل:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي...))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
تحريم ذاتي ألم يقل الله عز وجل:
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود: 56 ]
ألم يقل الله عز وجل:
﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
[ سورة غافر: 17 ]
﴿ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
[ سورة النساء: 77 ]
لا فتيلاً ولا نقيراً ولا قطميراً؛ الفتيل خيط بين فلقتي نواة التمر .
﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء: 47 ]
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
[ سورة الزلزلة: 7-8 ]
كل هذه الآيات، وتلك الأحاديث، وهذا الحديث القدسي ألا يقنعك أن الله لا يظلم؟ لا بد من أن تخوض في القضاء والقدر، فتارة تنفي علم الله عز وجل، وتارة ترى رؤية ليست صحيحة فتتكلم على الله ما لا تعلم.
ترتيب المعاصي في القرآن الكريم ترتيباً تصاعدياً :
أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل حينما رتب المعاصي في القرآن الكريم رتبها ترتيباً تصاعدياً، فبدأ بالإثم والعدوان، والفحشاء والمنكر، والشرك والكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي:
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة البقرة:169 ]
فالله في هذا الحديث القدسي الصحيح يقول:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّما، فلا تَظَالموا))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
الظلم ظلمات يوم القيامة:
(( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))
[ متفق عليه عن عبد الله بن عباس ]
قبل أن تظلم، قبل أن تأخذ ما ليس لك، قبل أن تلصق تهمة بإنسان بريء، قبل أن تستغل قوتك فتسحق من تحتك، قبل أن تستغل مكانتك فتغطي على من قدم لك خدمةً:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّما، فلا تَظَالموا))
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
إياكم أن يظلم بعضكم بعضاً، قد يظلم الزوج زوجته، وقد تظلم الزوجة زوجها، والله بالمرصاد، وقد يظلم الأخ أخاه، وقد يظلم الشريك شريكه، وقد يظلم الجار جاره، بل إن بعض العلماء له مقولة أرددها كثيراً: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر، أغروه بحلي نسائهم كرشوة، فقال: والله جئتكم من عند أحبّ الخلق إلي، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، وبهذا غلبتمونا، ولن نغلب أعداءنا إلا إذا أقمنا العدل في حياتنا، بهذا قامت السموات والأرض، وبهذا غلبتمونا، إنسان قدم نفسه في سبيل الله هل من جود فوق هذا الجود؟ هل من كرم فوق هذا الكرم؟ هل من تضحية فوق هذه التضحية؟
(( يُغْفَرُ للشهيد كلُّ ذَنْب إلا الدَّيْنَ ))
[مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
أن تأكل حق الناس هذا ظلم، كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يصلي على صحابي جليل عليه دين، يقول أعليه دين؟ فإن قالوا: نعم، يقول: صلوا على صاحبكم، فإن قال أحد أصحابه: عليّ دينه يا رسول الله، سأل هذا الضامن: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله مرة ثانية: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله مرة ثالثة، أأديت الدين؟ قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: الآن ابترد جلده .
حقوق العباد مبنية على المشاححة وحقوق الله مبنية على المسامحة :
أيها الأخوة الكرام، حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، هناك وهم خطير أن الإنسان إذا حج بيت الله الحرام يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، يرجع من ذنوبه التي بينه وبين الله حصراً، أما الذنوب التي بينه وبين العباد فلا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة، والذي يصوم رمضان، ويقوم رمضان، ويتوهم أنه إذا صام رمضان وقام رمضان غفر الله له ما تقدم من ذنبه،أجمع العلماء أنه يغفر ما تقدم من ذنبه الذي بينه وبين الله فقط، أما ما بينه وبين العباد فهذه الذنوب لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّما، فلا تَظَالموا يا عبادي، كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه...))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ﴾
[سورة آل عمران: 73]
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾
[سورة هود: 28]
الهدى هدى الله، ومن لم يكن على منهج الله فهو على الباطل حتماً، لأنه لا طريق ثالثة إلا الحق أو الباطل.
من لم يكن على منهج الله فهو على الباطل حتماً :
أيها الأخوة:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
[ سورة القصص: 50]
ما بعد الحق إلا الضلال:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
[سورة الجاثية: 6]
إن لم تكن على منهج الله فأنت في الباطل حتماً:
((...يا عبادي، كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه، فاسْتَهدُوني أهْدِكم... ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
اطلبوا الهدى من الله لا تطلبوا الهدى من أهل الغرب، ولا من علماء الغرب، ولا من علماء النفس، اطلبوا الهدى من الله، من الذي خلقنا، من الذي يربينا، من الذي أنزل القرآن الكريم:
(( ... يا عبادي، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
[ سورة قريش:4]
الأمطار أحد أسباب الرزق، فحينما تهطل الأمطار ترتج الأرض وتنبت النبات الطيب، إذاً:
(( ... يا عبادي، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
تقنين الله تقنين تأديب لا تقنين عجز :
يقول الله عز وجل:
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً﴾
[سورة طه:132]
معنى ذلك أنك إذا أديت العبادات الله عز وجل يوفر لك رزقك، ورزق أهلك في البيت:
(( ... يا عبادي، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ، فاستطعِموني أُطْعِمْكم ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
اطلب الرزق من الله:
((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس))
[ورد في الأثر ]
الدعاء الذي أثر عن النبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم ارزقني طيباً واستعملني صالحاً":
(( ... يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أَكْسِكم... ))
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ... ))
[ مسلم عن أبي ذر]
يجب أن نعلم علم اليقين أن تقنين الله لا يمكن إلا أن يكون تقنين تأديب لا تقنين عجز:
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾
[ سورة الحجر: 21]
ذكرت لكم مرة أن اكتشف في الفضاء الخارجي سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة، فإذا قنن الله الأمطار تأديباً:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
[ سورة الأعراف 96 ]
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
[ سورة الجن: 16-17 ]
الرزق من الله عز وجل :
إذاً الرزق من الله عز وجل:
(( إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الله وأجملوا في الطلب - وهناك زيادة ببعض الروايات - واستجملوا مهنكم...))
[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان عن جابر]
إياك أن تبحث عن مورد رزق مشبوه لأن الله تكفل لك برزقك، كنت أضرب على ذلك مثلاً: أن بستاناً فيه شجرة تفاح على الغصن الثالث تفاحة، هذه لك لن يأكلها غيرك، ولكن طريقة وصولها إليك باختيارك، لا سمح الله ولا قدر قد يأخذها إنسان سرقة، وقد يأخذها تسولاً، وقد يأخذها ضيافة، وقد يأخذها هديةً، وقد يشتريها بماله، طريقة وصول الطعام إليك باختيارك، أما حينما خلق لك هذا الفم فلا بد من أن يرزقك لقوله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾
[سورة الروم: 40]
الله عز وجل لا ينزل مصيبة من دون سبب :
إذاً:
(( يا عبادي لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ))
[ مسلم عن أبي ذر]
إبرة غمستها في مياه البحر المتوسط ثم رفعتها كم حملت من الماء وكم نقص من ماء البحر؟
((.... ذلك لأن عطائي كلام، وأخذي كلام - موطن الشاهد بآخر فقرة وهي أخطر فقرة في الحديث - فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عن أبي ذر]
لا تلم القدر، لا تقل: لا حظ لي، لا تقل: أنا لست مرزوقاً، الله لا يحبني:
((.... فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عن أبي ذر]
ابحث عن الخلل في إيمانك، في كسب مالك، في إنفاق مالك، في علاقاتك الاجتماعية، ابحث عن سبب قلة الرزق، الله عز وجل لا يمكن أن ينزل مصيبة من دون سبب:
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾
[ سورة الشورى: 30 ]
من حاسب نفسه أثنى الله عليه :
إذاً:
((.... فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عن أبي ذر]
فأنت حينما ترد الكرة عن ملعبك، أنت حينما تأتي الأمور على خلاف ما تريد وتحاسب نفسك حساباً دقيقاً، لعلي أخطأت في كسب المال، لعلي حلفت يميناً ليست كما ينبغي أن تكون، لعلي قصرت في أداء حق، فهذا الذي يقول لعلي ولعلي أثنى الله عليه، قال تعالى:
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾
[ سورة القيامة: 1-2]
فهذا الحديث أيها الأخوة:
(( عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]
والحمد لله رب العالمين